نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا


آخر المواضيع

[4am] تمارين في الرياضيات للسنة الرابعة متوسط الهندسة في الفضاء 2016 2017
آخر اصدار لسلسلة 1000 تمرين في الرياضيات لطلبة الـ 3 ثانوي
[bem2016] مطوية كليك ملخصة لدروس و قواعد اللغة العربية 4 متوسط
كيفية تنصيب برنامج Scienc66-GDmath9 لطلبة الـ 3 ثانوي
السامي في الفلسفة للشعب العلمية لطلبة الـ 3 ثانوي
مواضيع فروض و اختبارات للسنة الثالثة ثانوي مادة الرياضيات
امتحانات تجريبية في الرياضيات 2013 لطلبة الـ 3 ثانوي
باكالوريات اجنبية محلولة في الرياضيات
تحضير نص : قصة أهل البصرة من المسجديين

الأحد 25 مارس 2018, 19:52
الجمعة 06 يناير 2017, 17:37
السبت 14 مايو 2016, 17:47
الخميس 05 مايو 2016, 17:53
الثلاثاء 12 أبريل 2016, 16:20
الأربعاء 06 أبريل 2016, 20:39
الخميس 31 مارس 2016, 21:59
الخميس 31 مارس 2016, 21:49
الجمعة 04 مارس 2016, 16:53










Facebook

معلومات العضو
زائر
Anonymous
زائر


البيانات الشخصية


معلومات الإتصال
مُساهمةموضوع: نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  Clock10الأربعاء 09 ديسمبر 2015, 09:18

السّلام عليكم ، 


هذه دراسة موسومة بــ [ المدخل إلى نظريّة النّقد النّفسيّ ، سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا ] لصاحبها الأستاذ زين الدّين مختاري ، سأحاول أن 


تكون منشورة بانتظام على ضفّة النّقد .




المقدّمة






بسم الله الرحمن الرحيم




إنّ صلة علم النفس بالأدب والنّقد صلةٌ ممتدة الجذور في التّراث الإنساني، وخصوصاً تلك التي تربط الأدب بصاحبه. وهذا التراث واسع، لا يُمكن حصره في صفحات قليلة، لأنّ القائمة طويلةٌ، تضمّ عدداً غير قليلٍ من أسماء الفلاسفة وعلماء النفس، فضلاً عن النّقاد والأدباء والفنّانين.


ويُمكن استشفاف تلك الصّلة -إن تلميحاً أو تصريحاً- عند أفلاطون في موقفه من الفنّ والأدب، وعند أرسطو في نظريّة "التّطهير" وعند من سار على سَمْتِهما مثل: أفلوطين، وهو راس، وبوالو، وهيجل، وكانط، وشوبنهور وبرجسون، وكروتشه.. وعند علماء النفس، مثل: فرويد، ويونغ، وأدلر، وشارل بودوان، وشارل مورون..


وغير هؤلاء كثيرٌ، يُضاف إليه عددٌ لا حصر له من النّقاد والفنّانين الذين تأثّروا بالمنهج النفسي في دراسة الأدب وشخصيات الأدباء، غير أن البداية الحقيقية لنضج علم النفس وتطوّر علاقته بالأدب والنّقد، كانت في النّصف الأوّل من هذا القرن، سواءٌ عند الغربيين أم عند العرب.


ولا نعدم بعض ملامح النّقد النّفسيّ عند النّقاد العرب القدامى، نذكر منهم على الخصوص: ابن قتيبة (ت 276هـ) في كتابه "الشعر والشعراء"، والقاضي الجرجاني (ت 393هـ) في كتابه "الوساطة..." وربما كانت الملامح النفسية([1]) أوضح عند عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) في كتابيه "دلائل الاعجاز" و"أسرار البلاغة".


بيد أن الانطلاقة الحقيقيّة للنّقد النّفسيّ، كانت في العصر الحديث على يد جماعة الدّيوان 1921م، ومن حذا حذوها من أساتذةٍ جامعيّين وأكادميّين، ولعلّ الطّابع المميّز لهذه الجماعة ومن جاء بعدها، هو الانكباب على دراسة شعراء متميزين تجلّت في سلوكهم وفي شعرهم النّزعة الفرديّة([2]).


ومن هنا، كانت السّمة الغالبة على النّقد النّفسيّ في العقود الأولى من هذا القرن، هي دراسة شخصيّة الشّاعر أو الأديب إذا استثنينا بعض من حاول الاتجاه بالدّراسة السيكولوجيّة إلى تفسير العمل الأدبي نفسه أو معالجة عمليّة الإبداع الفني ذاتها، كعز الدين إسماعيل -على سبيل المثال- في كتابه "التّفسير النّفسيّ للأدب" ومصطفى سويف في كتابه" الأسس النّفسيّة للإبداع الفنّيّ في الشّعر خاصّةً!!.


وإلى هؤلاء جميعاً -قدماء ومحدثين- وعلى اختلاف نزعاتهم وتوجّهاتهم- يعود الفضل في إرساء قواعد نظرية النّقد النّفسيّ. وهذا المدخل الذي نضعه بين يدي القاريء، يحاول إبراز بعض معالمها، في عرضٍ مبسّطٍ لمنهجٍ استقرائيّ يُحاول أن يوائم طبيعة الموضوع، ولمنهجيّةٍ تقوم على الانتقائية لأبرز العلماء والنّقّاد الذين أسهموا في ترسيخ قواعد هذه النظرية، مع متابعة تصف طوراً وتنقد طوراً آخر.


غير أن هذه الانتقائية لم تحل دون استيفاء المُنتقى واستقرائه، بتكثيف الصياغة والتّركيز على أهم المقبوسات. ومن هنا، جاءت مرجعيّة هذا المدخل متنوعةً بين كتبٍ في علم النفس وأخرى في النقد الأدبيّ الحديث والمعاصر.




وحسبنا في هذا المدخل إلى نظريّة النّقد النّفسيّ أن نعرّج في الفصل الأوّل، على أقطاب مدرسة التّحليل النّفسيّ، وعلى رأسها "فرويد" وتلامذته، كـ "يونع" و"أدلر" وكذا بعض من أفاد من آراء هذه المدرسة دون غلوٍّ، كـ "شارل بودوان" و"شارل مورون". وسلكنا "سانت بيف" في عداد الفرويديّين لا لانتمائه إلى مدرستهم، بل لقيام معظم أعماله في رسم صور الشخصيّات على بعض حقائق منهج التّحليل النّفسيّ.


وإذا أُتيح لنا ذلك، مضينا نتعقّب ملامح هذه النّظريّة في النّقد العربيّ الحديث، من خلال ثلاثة محاور، يقوم كلّ محور منها مقام الفصل، وهي: 


1-دراسة شخصيّة الشّاعر: وقد اهتمّ بهذا المحور نقّاد كثرٌ، اخترنا منهم: العقّاد عباس، محمد النويهي، محمد كامل حسين، حامد عبد القادر.


2-دراسة عمليّة الإبداع: وقد اخترنا لهذه الدّراسة تجربة "سويف" نموذجاً، فتناولنا "نصّ الاستخبار" كاملاً، وكذا بعض إجابات الشعراء، ونتائج الاستخبار. واخترنا أيضاً للباحث نفسه تحليل مسودةٍ للشاعر "عبد الرحمن الشرقاوي" مع نسخةٍ مصوّرةٍ لها، حتى يسهل فهم بعض المواقف الإبداعية الغامضة.


3-دراسة العمل الأدبيّ: وهو المحور الذي شغف به عددٌ غير قليلٍ من النّقّاد والأساتذة والأكاديميّين، تناولناه عند: محمد خلف الله، أمين الخولي، حامد عبد القادر، عز الدين إسماعيل.


وإذا جمعنا هذه الفصول الثلاثة بعناصرها وأفكارها، فإنّها تُشكّل في نقدنا العربيّ الحديث نظريةً مكتملةً في النّقد النفسيّ، بَدَت ملامحها واضحةً أوائل هذا القرن، لجنوح معظم الأدباء والنّقّاد، في هذه الفترة، إلى الدراسات السيكولوجيّة، فكانت التجربة غنيّةً بالبحوث النفسيّة في دراسة شخصيّات الشعراء والأعمال الأدبية وكذا عمليّة الإبداع نفسها. ولهذا السّبب انصبّ الاهتمام -كما سيلاحظ القاريء -على النّقد العربيّ الحديث قياساً إلى الفصل الأوّل.


ونرى، أنّه لا سبيل إلى إدراك هذه النظرية إدراكاً حقيقيّاً إلاّ بعملٍ إجرائيّ يكمّلها ويُعمّق وعينا بها. ولهذا الغرض آثرنا أن يكون الفصل الخامس والأخير للدّراسة التطبيقية، تناولنا فيه سيكولوجيّة الصورة الشعرية في نقد العقاد مع نماذج في شعر ابن الرومي.


ونشير في النهاية، إلى أن الفضل في إنجاز هذا العمل، يعود إلى طلاب السنة الثالثة، في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة تلمسان، الذين تعاقبوا دفعات، مدة سبع سنوات، على مقياس النقد الأدبي الحديث واتجاهاته. وكانت تتضاف كل سنة، معلومات جديدة إلى محاضرة.. الاتجاه النفسي في النقد الأدبي الحديث حتى بات من الضروري معالجتها بالتّشذيب والتّعذيب، وبالتحليل لتخرج إلى النور في هذا "المدخل إلى نظريّة النّقد النّفسيّ".








واللّه وليّ التّوفيق



زين الدين مختاري 


تلمسان في 20 أكتوبر 1996


([1])تحتاج هذه الملامح، في تصوّرنا، إلى بحثٍ مستقلٍ، قائم برأسه، ليس فحسب عند عبد القادر الجرجاني، بل عند سائر النقاد العرب القدامى، حتى يكون البحث شاملاً.

([2]) فقد درس العقّاد على سبيل المثال: ابن الرومي وأبا نواس.. ودرس المازني ابن الرّومي أيضاً، ودرس النّويهي الشّاعرين نفسيهما، كما درس طه حسين وحامد عبد القادر أبا العلاء المعري..






 توقيع العضو : زائر 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معلومات العضو
زائر
Anonymous
زائر


البيانات الشخصية


معلومات الإتصال
مُساهمةموضوع: رد: نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  Clock10الأربعاء 09 ديسمبر 2015, 09:20

الفصل الأوّل


مدرسة التّحليل النّفسيّ






1-فرويد (1856م-1939م):


كان هذا العالم، في نظرنا، على حقٍّ حين اعترف بأنّ الذين ألهموه نظريته في التّحليل النّفسيّ هم الفلاسفة والشعراء والفنّانون، ([1]) لأن الإبداع على اختلاف أنواعه وأشكاله، هو الرحم الذي يحتضن النّفس الإنسانية بحالاتها ومتناقضاتها. فغالباً ما تكون الظاهرة غُفلاً في الحياة أو الطبيعة إلى أن يُقيّض لها رجلٌ عبقريٌّ، يخرجها للناس في صورة مشروع أو قانونٍ أو نظريةٍ أو تجربةٍ..وهذا ما قام به "فرويد" مستفيداً من تجارب سابقية، فكان زعيم مدرسة التّحليل النّفسيّ والرّائد في هذا المجال -وإن كانت الرّيادة لا تخلو أحياناً من مزالق ونقائص- إذا استطاع أن يرسم للجهاز النفسي الباطني خريطةً أشبه ما تكون بالخرائط "الطوبوغرافية"([2])؛ فقسّمه إلى ثلاثة مستويات، تمثّل الثّالوث الدّينامي للحياة الباطنية الإنسانية: 
-المستوى الشّعوري "conscient".
-ما قبل الشّعور "preconscient".
-اللاّشعور "i,inconscience"([3]).
وهذا المستوى الأخير، هو الفرضيّة الأساسية التي تقوم عليها نظريّة التّحليل النّفسيّ، وينقسم بدوره إلى ثلاث قوى متصارعة، هي: 
-الهُو "le ca": ويمثّله الجانب البيولوجي.
-الأنا "le moi": ويمثّله الجانب السيكولوجي أو الشعوري. 
-الأنا الأعلى: "le sur moi”: ويمثّله الجانب الاجتماعي أو الأخلاقي...
وقد توصّل "فرويد" إلى غريزتين أساسيتين توجّهان هذا الجهاز النفسي أو السلوك الإنساني عموماً، هما: 
-غريزة الحبّ أو الحياة "الإيروس" eros: وتمثّل الحاجات النّفسيّة البيولوجيّة التي تُتيح للفرد الاستمرار في حياته والمحافظة على بقاء نوعه([4]).
-غريزة الموت أو الفناء "التّناتوس" tanatos
وتمثّل مختلف الرّغبات التي تدفع الفرد إلى العدوان والتّدمير([5]).
وقد انتهى "فرويد" إلى هاتين الفرضيّتين بعد أن عدّل من نظرّيته، إذ كان يعتقد أنّ الغرائر الجنسية “libido” هي الطّاقة التي توجّه سلوك الإنسان. ولكنّه اكتشف أن "اللّبيبدو" قد لا يتّجه دوماً نحو الآخرين بل قد يرتدّ إلى الذّات فيغرق الفرد في حبّ نفسه، وهذا ما يُسمّى "بالنّرجسيّةnarcissisme" أو يُوقع الأذى والألم بنفسه للحصول على الإشباع الجنسي، وهذا ما يُسمّى بالمازوخيّة masochisme" وقد يحصل على هذا الإشباع بإيذاء النّاس وإيلامهم، وهذا ما يسمى "بالسّادية sadisme"([6]).
وليس لنا أن نسهب في تحليل هذا الجهاز بمستوياته وقواه وآلياته، وما يتّصل به من عُقدٍ وغرائز ومكبوتات، إذ يكفي أن نرسمه في هذا الشّكل لعلّه يغني عن التّفصيل.


صورة
وفي ضوء نظرية التحليل النفسي، وما يتصل بها من لا شعورٍ وغرائز جنسية وأحلام ومكبوتات، وَلجَ "فرويد" عالم الفنّ والفنّانين ليعرض عليه بضاعته السيكولوجية فكان من الأوائل الذين رسّخوا بالنظرية والتّطبيق علاقة علم النفس بالأدب والفنّ والنّقد، إذ تناول بالتّحليل النّفسيّ شخصيّات الفنّانين وأعمالهم الفنّية وعمليّة الخلق الفنّي والمتلقّي.
ولا يتّسع، بطبيعة الحال، صدر هذا المدخل لعرض كل آرائه في هذا المجال، ويكفي أن نشير إلى بعضها، فالفنّان عنده إنسانٌ عُصَابِيٌ(*) أقرب إلى الجنون لحظة العملية الإبداعية. وبعد الفروغ منها، فهو إنسانٌ عاديٌّ سويّ في كامل وعيه.
ومن هنا، اختلف الفنان عن العصابي الحقيقي فهو يستطيع تَخطّي عتبة اللاّشعور، والإفلات من رقابه الأنا الأعلى مُحقّقاً رغباته ومكبوتاته بوسائله الفنّية الخاصة وهو بعد ذلك، إنسانٌ عاديٌّ سويّ"، وهذا ما لا يستطيعه الإنسان العصابيّ غير الفنّان.


غير أن فرويد([7]) يرى أن الأحلام وسيلة من وسائل إشباع الرغبات التي قد تكون عَصِيّة التّحقيق في الواقع، ولكنه عدّل من هذه الفكرة حين اكتشف ما يسمّى بحالات "عُصاب الصّدمة:"، وهي الحالات المؤلمة التي تعتور المريض فيعود في أحلامه إلى تذكّر الموقف المؤلم الذي حدث له في الواقع، ومن ثمّ يصبح هذا الحلم صعب التّفسير، لأنه ينافي "مبدا اللذة"([8]).
ولعلّ الغُلوّ البادي في نظرية "فرويد"، هو اعتباره الغريزة الجنسية الباعث الأول على الفنّ وليس المحاكاة كما كان يرى فلاسفة الإغريق ومن تبعهم من فلاسفة ونقاد القرن 17و 18م. وعلى أساس هذه الغريزة وغيرها، ذهب يُحلّل شخصيتي "ليوناردو دافنتشي" و"دوستويفسكي" وأعمالهما الفنية، فبحث الإبداع الفنيّ عند الأول وحلّل حُلمه في طفولته، أي ذلك النّسر الذي حطّ عليه وهو في المهد، وفتح له منقاريه وأخذ يضربه على شفتيه مرات عدّة. فسّر "فرويد" هذا الحلم بالبطء الذي عُرف به هذا الرسام الإيطالي في إنجاز أعماله العظيمة، كما حلّل انحرافه الجنسي على مستوى اللاّشعور وعدم إكماله الكثير من أعماله الفنيّة والأعمال المكتملة كالموناليزا، ورؤوس النساء الضاحكات والقديسة آن([9]).
وتناول أيضاً بالتحليل النفسي شخصية الثاني -دستويفسكي- وروايته المعروفة" الإخوة كرامازوف" فوجد في هذه الشخصية الروائية كل المتناقضات، فهي تحمل، في تصوره، الفنان المبدع الخالق الجدير بالخلود. وتحمل، في الوقت نفسه، الأخلاقي والعُصابي، والآثم المجرم المتعاطف مع الآثمين المجرمين. والمهووس بالمقامرة، والمولع بتعذيب نفسه وتعذيب الآخرين. وهذا كلّه مجسّدٌ في روايته المذكورة إذ رآها "فرويد" صدىً لحياة هذا الروائي الشخصية وانفعالاته الباطنية أو اللاشعورية. وهي تحمل، فوق هذا جريمة قتل الأب والانحراف الجنسي...([10]).
ولم يقف "فرويد" عند حدود تحليل شخصية الفنان وعمله الفنيّ، وبيان الصلة النفسية بينهما وحسب، وإنما اهتمّ أيضاً بتحليل شخصيات وأبطال الأعمال الروائية والمسرحية كشخصية "هملت" وبطلة القصة "غراديفا" للكاتب الألماني 
"ينسن" كما اهتمّ بتحليل عملية الخلق الفني، أو عملية الإبداع نفسها، فهي عنده شبيهة بثلاثة نشاطات بشرية هي: اللعب، والتخيل، والحلم، والمبدع لديه كالطفل أو المراهق، كلاهما يلعب ويتخيّل ويحلّم ليصنع لنفسه عالماً خياليّاً يتمتّع به، ويُصلِح فيه من شأن الواقع ويَسْتَعِيض به عن رغبته الحقيقية.([11])
ولم يغفل "فرويد" في تحليله النفسي القاريء، أو البحث عن حقيقة المتعة التي يجنبها المتلقي من قراءته الروائع الأدبية والفنية، فالمبدع، في تصوره، حين يصنع عالمه الخيالي، ويقدّمه في قالب فنّي، فكأنه يقدّم إلى القاريء إغراءً محفّزاً على الاستزادة من قراءة أعماله والاستمرار فيها. ولن يحصل المبدع على هذه الضّمانة إلاّ إذا استطاع أن يتجاوز تجربته الذّاتية إلى تقديم تجربةٍ عامّةٍ يشترك فيها جميع الناس، ويجد فيها القاريء، على الخصوص، ما يحقّق له متعته دون شعور بالحياء أو الذّنب، أي أن يجد رغباته وخيالاته مجسدة في تلك التجربة. ولن تتمّ متعة المتلقّي على أكمل وجه إلا إذا كان هناك تجاوبٌ بينه وبين المبدع في كثيرٍ من المواطن المشتركة. وهذه المواطن، تُكوّنها في نظر "فرويد" العُقد والحصارات، والمكبوتات، وكل ما اختزن في اللاّشعور من ذكريات الطفولة.([12]).
وقبل أن نعرض لبعض تلامذته، يجدر بنا أن نقول إنّه على الرّغم من الجهود الكبيرة التي بذلها هذا العالم في تحليل طبيعة الإبداع الفنّي، فإنّه لم يصل إلى حلّ حاسمٍ لها. وصرّح أن وسائل التحليل النفسي عاجزة عن فكّ مغالق العملية الإبداعية، بل على هذا المنهج أن يُلقِي عدّته أمام الفنّان المبدع، لأنه لم يصل إلى حقيقة عمله الفنيّ الإبداعي، وكل ما توصّل إليه لا يتعدّى بعض المظاهر والحدود. ومن هنا، أشار "فرويد" في أكثر من مناسبةٍ إلى أن الأدباء والفنّانين والشعراء، هم وحدهم أدرى بأسرار النفس الإنسانية، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف اللاّوعي. وعلى علماء النفس والطّب النفسي الإفادة من مكنونات الأعمال الأدبيّة والفنيّة.([13]).
2-أدلر (1870م-1937م):


من الطّبيعي أن يخالف التلميذ أستاذه أحياناً، أو ينشقّ عنه، أو يضيف إلى أفكاره شيئاً من اجتهاداته واكتشافاته. فهذا "ألفرد أدلر" صاحب مدرسة "علم النّفس الفرديّ" يخالف أستاذه "فرويد" في أن تكون الغريزة الجنسية السّبب الوحيد لظهور الأمراض العصابية، والباعث الأول على الفنّ. ويرى أن الشعور بالنّقض هو السّبب الرّئيسيّ في نشأة العُصاب، وأنّ الباعث الأساسي على الفنّ هو "غريزة حبّ الظّهور أو حبّ السّيطرة والتّملّك"([14])ولعلّ الشيء الذي يميّز نظريّة "أدلر" إلى جانب هذا الباحث هو اهتمامه بالجانب الاجتماعي. فالدوافع اللاّشعورية، في تصوّره، لا يمكن أن تقدّم بمفردها فهماً مكتملاً للطّبيعة البشرية؛ إذ لا بدّ من تفاعل عالم الشخصية الباطني بالعلاقات الشّيئيّة الموضوعيّة، وبخاصّةٍ العلاقات الاجتماعية؛ لأن الفرد، في نظره، ليس كائناً معزولاً عن وسطه الاجتماعي، يتصرّف بما يُمليه عليه نزوعه الفردي ودوافعه اللاشعورية. على أن "آدلر" مع هذا، لم يتعمّق السّياق الاجتماعي بتناقضاته، وبقي عنده محصوراً في غريزة حبّ السّيطرة والظهور، والتعويض والرّغبات اللاّشعورية والطّابع البيولوجي الوراثي. ومن هنا، لم يُحدِث اهتمامه بالجانب الاجتماعي انقلاباً في حركة التّحليل النّفسي([15]).
3-يونغ (1875م-1961م):


وهذا "كارل غوستاف يونغ" يرى أيضاً أن أستاذه "فرويد" غالى كثيراً في إعطاء هذه الأهميّة الكبيرة للغريزة الجنسية، حين عدّها سبب نشأة العُصاب عند الفنّانين، والباعث الأول على الفنّ. والحقّ، أن "فرويد" يوافق أستاذه على مبدأ "اللاّشعور" بوصفه مظهراً من مظاهر الفنّ، ويسمّيه "اللاّشعور الفردي أو الشخصي" أو "الخافية الخاصّة"، ولكنّه يُضيف إليه نوعاً آخر يسمّيه "اللاّشعور الجمعيّ" أو "الخافية العامّة". ويعدّه المنبع الأساسي للأعمال الأدبية والفنيّة، والبَوْتقة التي تنصهر فيها كلّ النماذج البدائية والرّواسب القديمة، والتّراكمات الموروثة والأفكار الأولى.([16]).
فاللاشعور الجمعيّ، بهذا المعنى، يمثّل خبرات الماضي وتجارب الأسلاف. وهو منطلق "يونغ" في تحليل عمليّة الإبداع بصورة عامة؛ فهذه العملية، تتمّ في تصوره، باستشارة النماذج الرئيسية المتراكمة في اللاّشعور الجمعي بوساطة "اللّيبيدو" المنسحب من العالم الخارجي، والمرتدّ إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية. وهذا ما يسبّب اضطراباً نفسيّاً لدى الفنّان، فيحاول إيجاد اتزّانٍ جديدٍ لنفسه.([17])
ومعنى هذا، أن كل المؤثرات يجب أن تمرّ عَبْر الخافية العامّة، في حين أن العملية الإبداعية عند "فرويد" تتم مباشرةً بالتّسامي، وعِلّتها الرئيسية تكمن تحت ضغط مركّب "أوديب" أو الرّغبات الشّقيّة المكبوتة في اللاّشعور العائد إلى سلوك الفرد ذاته، لا إلى الأفكار البدائية الموروثة. وقد انتهى "يونغ" إلى ما انتهى إليه أستاذه سابقاً، وهو أن عملية الإبداع الأدبي أو الفني عمليّة معقدةٌ غامضةٌ، لا يمكن لفرضيات التحليل النفسي أن تحل لغزها بسهولةٍ، وإن كان يقترح إيجاد منهجٍ فنيّ جماليّ لتعمّقها أو العودة إلى حالة "المشاركة الصوفية" لاستكناه بعض أسرارها.([18])
***
ومّما لا شك فيه، أن مدرسة التحليل النفسي قدّمت للأدب والفن خدماتٍ جليلةً، وحقّقت للنّقد مكسباً منهجيّاً جديداً؛ إذ فتحت أمامه آفاقاً واسعةً في تعمّق الصُّور الفنّية، وزوّدته بمفاتيح سيكولوجيّة لتحليل شخصيات الأدباء والفنّانين. فهي من هذه الناحية ذات فضلٍ كبيرٍ لا ينكر، في إرساء قواعد نظرية النّقد النفسي.
غير أن لهذا المنهج في دراسة الأدب ونقده آثاراً سلبيّةً واجهت انتقاداتٍ كثيرةً، وهي انتقادات لا تُبطل منهج التحليل النفسي من أساسه بقدر ما تسعى إلى مناقشته وإثرائه، ذلك أن دراسة عمليّةٍ معقّدةٍ غامضةٍ كعمليّة الإبداع الفني بوسائل تجريدية وفرضيات تخمينية، يكون مآلها التّعقيد والغموض أيضاً. ثمّ إن هذا المنهج سلب أهمّ حقٍّ للأعمال الأدبية والفنية، وهو الحقّ الجمالي والاجتماعي، حين حصر اهتمامه في دراسة شخصيات الفنانين على حساب الأثر الفني؛ فكانت المعالجة في النهاية معالجةً "كلينيكيّة" أو "عياديّة"؛ لأنّ الأساس الذي انطلق منه أساسٌ طبّيٌ([19]).


([1]) ينظر فرويد سيغموند، تفسير الأحلام، ص: 11. وينظر 12 Bellemin -n.j, psychanalyse et litterature, p11,


([2]) ينظر، فرويد، علم ما وراء النفس، ص: 58.


([3]) ينظر فرويد، الموجز في التّحليل النّفسيّ، ص71 وما بعدها. وينظر فرويد، مسائل في مزاولة التّحليل النّفسيّ، ص:31 وما بعدها. وينظر فرويد، الأنا والهذا، ص: 9-16و 27.


([4]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-


([5]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-78.


([6]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسي، ص:76-77.
ينظر عباس، فيصل، الشخصية في ضوء التحليل ص72.


(*) العصاب neurose اضطرابات وظيفية غير مصحوبة باختلال جوهري في إدراك الفرد للواقع، كما هو في الأمراض الذّهانية ويُميّز التّحليل النّفسيّ بين نوعين من الأعصبة الواقعية actual - neuroses مثل: النيروستانيا وعُصاب القلق، والأعصبة النفسية psycho- neuros وأهمّها الهستيريا والعصاب الوسواسي.."(1).


([7]) فرويد، الموجز في التحليل النفسيي ص 98-99.


([8]) ينظر، فرويد، تفسير الأحلام، ص: 149-185. وينظر فرويد، الموجز في التحليل النفسي، ص:107-108.


([9]) ينظر، فرويد التحليل النفسي والفن، دافنتشي ودستويفسكي، ص:32. وينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، ص:5و6.


([10]) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص: 96 وما بعدها وينظر، محمد علي عبد المعطي، الإبداع الفنّي وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 142.


([11]) ينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص: 7-8-9.


([12]) ينظر فرويد، الهذيان والأحلام في الفن ص:9 وما بعدها. وينظر الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص:7-8-9-.


([13]) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص:91-94 وينظر، العقاد، يوميات، ج2، ص:170.


([14]) ينظر: ليبين، فاليري، التحّليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها. 


([15]) ينظر، ليبين فاليري، التّحليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها.


([16]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.


([17]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.


([18]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.






 توقيع العضو : زائر 


عدل سابقا من قبل Aseel في الأربعاء 09 ديسمبر 2015, 09:25 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معلومات العضو
زائر
Anonymous
زائر


البيانات الشخصية


معلومات الإتصال
مُساهمةموضوع: رد: نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  Clock10الأربعاء 09 ديسمبر 2015, 09:24

الفصل الأوّل


مدرسة التّحليل النّفسيّ






1-فرويد (1856م-1939م):


كان هذا العالم، في نظرنا، على حقٍّ حين اعترف بأنّ الذين ألهموه نظريته في التّحليل النّفسيّ هم الفلاسفة والشعراء والفنّانون، ([1]) لأن الإبداع على اختلاف أنواعه وأشكاله، هو الرحم الذي يحتضن النّفس الإنسانية بحالاتها ومتناقضاتها. فغالباً ما تكون الظاهرة غُفلاً في الحياة أو الطبيعة إلى أن يُقيّض لها رجلٌ عبقريٌّ، يخرجها للناس في صورة مشروع أو قانونٍ أو نظريةٍ أو تجربةٍ..وهذا ما قام به "فرويد" مستفيداً من تجارب سابقية، فكان زعيم مدرسة التّحليل النّفسيّ والرّائد في هذا المجال -وإن كانت الرّيادة لا تخلو أحياناً من مزالق ونقائص- إذا استطاع أن يرسم للجهاز النفسي الباطني خريطةً أشبه ما تكون بالخرائط "الطوبوغرافية"([2])؛ فقسّمه إلى ثلاثة مستويات، تمثّل الثّالوث الدّينامي للحياة الباطنية الإنسانية: 
-المستوى الشّعوري "conscient".
-ما قبل الشّعور "preconscient".
-اللاّشعور "i,inconscience"([3]).
وهذا المستوى الأخير، هو الفرضيّة الأساسية التي تقوم عليها نظريّة التّحليل النّفسيّ، وينقسم بدوره إلى ثلاث قوى متصارعة، هي: 
-الهُو "le ca": ويمثّله الجانب البيولوجي.
-الأنا "le moi": ويمثّله الجانب السيكولوجي أو الشعوري. 
-الأنا الأعلى: "le sur moi”: ويمثّله الجانب الاجتماعي أو الأخلاقي...
وقد توصّل "فرويد" إلى غريزتين أساسيتين توجّهان هذا الجهاز النفسي أو السلوك الإنساني عموماً، هما: 
-غريزة الحبّ أو الحياة "الإيروس" eros: وتمثّل الحاجات النّفسيّة البيولوجيّة التي تُتيح للفرد الاستمرار في حياته والمحافظة على بقاء نوعه([4]).
-غريزة الموت أو الفناء "التّناتوس" tanatos
وتمثّل مختلف الرّغبات التي تدفع الفرد إلى العدوان والتّدمير([5]).
وقد انتهى "فرويد" إلى هاتين الفرضيّتين بعد أن عدّل من نظرّيته، إذ كان يعتقد أنّ الغرائر الجنسية “libido” هي الطّاقة التي توجّه سلوك الإنسان. ولكنّه اكتشف أن "اللّبيبدو" قد لا يتّجه دوماً نحو الآخرين بل قد يرتدّ إلى الذّات فيغرق الفرد في حبّ نفسه، وهذا ما يُسمّى "بالنّرجسيّةnarcissisme" أو يُوقع الأذى والألم بنفسه للحصول على الإشباع الجنسي، وهذا ما يُسمّى بالمازوخيّة masochisme" وقد يحصل على هذا الإشباع بإيذاء النّاس وإيلامهم، وهذا ما يسمى "بالسّادية sadisme"([6]).
وليس لنا أن نسهب في تحليل هذا الجهاز بمستوياته وقواه وآلياته، وما يتّصل به من عُقدٍ وغرائز ومكبوتات، إذ يكفي أن نرسمه في هذا الشّكل لعلّه يغني عن التّفصيل.


صورة
وفي ضوء نظرية التحليل النفسي، وما يتصل بها من لا شعورٍ وغرائز جنسية وأحلام ومكبوتات، وَلجَ "فرويد" عالم الفنّ والفنّانين ليعرض عليه بضاعته السيكولوجية فكان من الأوائل الذين رسّخوا بالنظرية والتّطبيق علاقة علم النفس بالأدب والفنّ والنّقد، إذ تناول بالتّحليل النّفسيّ شخصيّات الفنّانين وأعمالهم الفنّية وعمليّة الخلق الفنّي والمتلقّي.
ولا يتّسع، بطبيعة الحال، صدر هذا المدخل لعرض كل آرائه في هذا المجال، ويكفي أن نشير إلى بعضها، فالفنّان عنده إنسانٌ عُصَابِيٌ(*) أقرب إلى الجنون لحظة العملية الإبداعية. وبعد الفروغ منها، فهو إنسانٌ عاديٌّ سويّ في كامل وعيه.
ومن هنا، اختلف الفنان عن العصابي الحقيقي فهو يستطيع تَخطّي عتبة اللاّشعور، والإفلات من رقابه الأنا الأعلى مُحقّقاً رغباته ومكبوتاته بوسائله الفنّية الخاصة وهو بعد ذلك، إنسانٌ عاديٌّ سويّ"، وهذا ما لا يستطيعه الإنسان العصابيّ غير الفنّان.


غير أن فرويد([7]) يرى أن الأحلام وسيلة من وسائل إشباع الرغبات التي قد تكون عَصِيّة التّحقيق في الواقع، ولكنه عدّل من هذه الفكرة حين اكتشف ما يسمّى بحالات "عُصاب الصّدمة:"، وهي الحالات المؤلمة التي تعتور المريض فيعود في أحلامه إلى تذكّر الموقف المؤلم الذي حدث له في الواقع، ومن ثمّ يصبح هذا الحلم صعب التّفسير، لأنه ينافي "مبدا اللذة"([8]).
ولعلّ الغُلوّ البادي في نظرية "فرويد"، هو اعتباره الغريزة الجنسية الباعث الأول على الفنّ وليس المحاكاة كما كان يرى فلاسفة الإغريق ومن تبعهم من فلاسفة ونقاد القرن 17و 18م. وعلى أساس هذه الغريزة وغيرها، ذهب يُحلّل شخصيتي "ليوناردو دافنتشي" و"دوستويفسكي" وأعمالهما الفنية، فبحث الإبداع الفنيّ عند الأول وحلّل حُلمه في طفولته، أي ذلك النّسر الذي حطّ عليه وهو في المهد، وفتح له منقاريه وأخذ يضربه على شفتيه مرات عدّة. فسّر "فرويد" هذا الحلم بالبطء الذي عُرف به هذا الرسام الإيطالي في إنجاز أعماله العظيمة، كما حلّل انحرافه الجنسي على مستوى اللاّشعور وعدم إكماله الكثير من أعماله الفنيّة والأعمال المكتملة كالموناليزا، ورؤوس النساء الضاحكات والقديسة آن([9]).
وتناول أيضاً بالتحليل النفسي شخصية الثاني -دستويفسكي- وروايته المعروفة" الإخوة كرامازوف" فوجد في هذه الشخصية الروائية كل المتناقضات، فهي تحمل، في تصوره، الفنان المبدع الخالق الجدير بالخلود. وتحمل، في الوقت نفسه، الأخلاقي والعُصابي، والآثم المجرم المتعاطف مع الآثمين المجرمين. والمهووس بالمقامرة، والمولع بتعذيب نفسه وتعذيب الآخرين. وهذا كلّه مجسّدٌ في روايته المذكورة إذ رآها "فرويد" صدىً لحياة هذا الروائي الشخصية وانفعالاته الباطنية أو اللاشعورية. وهي تحمل، فوق هذا جريمة قتل الأب والانحراف الجنسي...([10]).
ولم يقف "فرويد" عند حدود تحليل شخصية الفنان وعمله الفنيّ، وبيان الصلة النفسية بينهما وحسب، وإنما اهتمّ أيضاً بتحليل شخصيات وأبطال الأعمال الروائية والمسرحية كشخصية "هملت" وبطلة القصة "غراديفا" للكاتب الألماني 
"ينسن" كما اهتمّ بتحليل عملية الخلق الفني، أو عملية الإبداع نفسها، فهي عنده شبيهة بثلاثة نشاطات بشرية هي: اللعب، والتخيل، والحلم، والمبدع لديه كالطفل أو المراهق، كلاهما يلعب ويتخيّل ويحلّم ليصنع لنفسه عالماً خياليّاً يتمتّع به، ويُصلِح فيه من شأن الواقع ويَسْتَعِيض به عن رغبته الحقيقية.([11])
ولم يغفل "فرويد" في تحليله النفسي القاريء، أو البحث عن حقيقة المتعة التي يجنبها المتلقي من قراءته الروائع الأدبية والفنية، فالمبدع، في تصوره، حين يصنع عالمه الخيالي، ويقدّمه في قالب فنّي، فكأنه يقدّم إلى القاريء إغراءً محفّزاً على الاستزادة من قراءة أعماله والاستمرار فيها. ولن يحصل المبدع على هذه الضّمانة إلاّ إذا استطاع أن يتجاوز تجربته الذّاتية إلى تقديم تجربةٍ عامّةٍ يشترك فيها جميع الناس، ويجد فيها القاريء، على الخصوص، ما يحقّق له متعته دون شعور بالحياء أو الذّنب، أي أن يجد رغباته وخيالاته مجسدة في تلك التجربة. ولن تتمّ متعة المتلقّي على أكمل وجه إلا إذا كان هناك تجاوبٌ بينه وبين المبدع في كثيرٍ من المواطن المشتركة. وهذه المواطن، تُكوّنها في نظر "فرويد" العُقد والحصارات، والمكبوتات، وكل ما اختزن في اللاّشعور من ذكريات الطفولة.([12]).
وقبل أن نعرض لبعض تلامذته، يجدر بنا أن نقول إنّه على الرّغم من الجهود الكبيرة التي بذلها هذا العالم في تحليل طبيعة الإبداع الفنّي، فإنّه لم يصل إلى حلّ حاسمٍ لها. وصرّح أن وسائل التحليل النفسي عاجزة عن فكّ مغالق العملية الإبداعية، بل على هذا المنهج أن يُلقِي عدّته أمام الفنّان المبدع، لأنه لم يصل إلى حقيقة عمله الفنيّ الإبداعي، وكل ما توصّل إليه لا يتعدّى بعض المظاهر والحدود. ومن هنا، أشار "فرويد" في أكثر من مناسبةٍ إلى أن الأدباء والفنّانين والشعراء، هم وحدهم أدرى بأسرار النفس الإنسانية، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف اللاّوعي. وعلى علماء النفس والطّب النفسي الإفادة من مكنونات الأعمال الأدبيّة والفنيّة.([13]).
2-أدلر (1870م-1937م):


من الطّبيعي أن يخالف التلميذ أستاذه أحياناً، أو ينشقّ عنه، أو يضيف إلى أفكاره شيئاً من اجتهاداته واكتشافاته. فهذا "ألفرد أدلر" صاحب مدرسة "علم النّفس الفرديّ" يخالف أستاذه "فرويد" في أن تكون الغريزة الجنسية السّبب الوحيد لظهور الأمراض العصابية، والباعث الأول على الفنّ. ويرى أن الشعور بالنّقض هو السّبب الرّئيسيّ في نشأة العُصاب، وأنّ الباعث الأساسي على الفنّ هو "غريزة حبّ الظّهور أو حبّ السّيطرة والتّملّك"([14])ولعلّ الشيء الذي يميّز نظريّة "أدلر" إلى جانب هذا الباحث هو اهتمامه بالجانب الاجتماعي. فالدوافع اللاّشعورية، في تصوّره، لا يمكن أن تقدّم بمفردها فهماً مكتملاً للطّبيعة البشرية؛ إذ لا بدّ من تفاعل عالم الشخصية الباطني بالعلاقات الشّيئيّة الموضوعيّة، وبخاصّةٍ العلاقات الاجتماعية؛ لأن الفرد، في نظره، ليس كائناً معزولاً عن وسطه الاجتماعي، يتصرّف بما يُمليه عليه نزوعه الفردي ودوافعه اللاشعورية. على أن "آدلر" مع هذا، لم يتعمّق السّياق الاجتماعي بتناقضاته، وبقي عنده محصوراً في غريزة حبّ السّيطرة والظهور، والتعويض والرّغبات اللاّشعورية والطّابع البيولوجي الوراثي. ومن هنا، لم يُحدِث اهتمامه بالجانب الاجتماعي انقلاباً في حركة التّحليل النّفسي([15]).
3-يونغ (1875م-1961م):


وهذا "كارل غوستاف يونغ" يرى أيضاً أن أستاذه "فرويد" غالى كثيراً في إعطاء هذه الأهميّة الكبيرة للغريزة الجنسية، حين عدّها سبب نشأة العُصاب عند الفنّانين، والباعث الأول على الفنّ. والحقّ، أن "فرويد" يوافق أستاذه على مبدأ "اللاّشعور" بوصفه مظهراً من مظاهر الفنّ، ويسمّيه "اللاّشعور الفردي أو الشخصي" أو "الخافية الخاصّة"، ولكنّه يُضيف إليه نوعاً آخر يسمّيه "اللاّشعور الجمعيّ" أو "الخافية العامّة". ويعدّه المنبع الأساسي للأعمال الأدبية والفنيّة، والبَوْتقة التي تنصهر فيها كلّ النماذج البدائية والرّواسب القديمة، والتّراكمات الموروثة والأفكار الأولى.([16]).
فاللاشعور الجمعيّ، بهذا المعنى، يمثّل خبرات الماضي وتجارب الأسلاف. وهو منطلق "يونغ" في تحليل عمليّة الإبداع بصورة عامة؛ فهذه العملية، تتمّ في تصوره، باستشارة النماذج الرئيسية المتراكمة في اللاّشعور الجمعي بوساطة "اللّيبيدو" المنسحب من العالم الخارجي، والمرتدّ إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية. وهذا ما يسبّب اضطراباً نفسيّاً لدى الفنّان، فيحاول إيجاد اتزّانٍ جديدٍ لنفسه.([17])
ومعنى هذا، أن كل المؤثرات يجب أن تمرّ عَبْر الخافية العامّة، في حين أن العملية الإبداعية عند "فرويد" تتم مباشرةً بالتّسامي، وعِلّتها الرئيسية تكمن تحت ضغط مركّب "أوديب" أو الرّغبات الشّقيّة المكبوتة في اللاّشعور العائد إلى سلوك الفرد ذاته، لا إلى الأفكار البدائية الموروثة. وقد انتهى "يونغ" إلى ما انتهى إليه أستاذه سابقاً، وهو أن عملية الإبداع الأدبي أو الفني عمليّة معقدةٌ غامضةٌ، لا يمكن لفرضيات التحليل النفسي أن تحل لغزها بسهولةٍ، وإن كان يقترح إيجاد منهجٍ فنيّ جماليّ لتعمّقها أو العودة إلى حالة "المشاركة الصوفية" لاستكناه بعض أسرارها.([18])
***
ومّما لا شك فيه، أن مدرسة التحليل النفسي قدّمت للأدب والفن خدماتٍ جليلةً، وحقّقت للنّقد مكسباً منهجيّاً جديداً؛ إذ فتحت أمامه آفاقاً واسعةً في تعمّق الصُّور الفنّية، وزوّدته بمفاتيح سيكولوجيّة لتحليل شخصيات الأدباء والفنّانين. فهي من هذه الناحية ذات فضلٍ كبيرٍ لا ينكر، في إرساء قواعد نظرية النّقد النفسي.
غير أن لهذا المنهج في دراسة الأدب ونقده آثاراً سلبيّةً واجهت انتقاداتٍ كثيرةً، وهي انتقادات لا تُبطل منهج التحليل النفسي من أساسه بقدر ما تسعى إلى مناقشته وإثرائه، ذلك أن دراسة عمليّةٍ معقّدةٍ غامضةٍ كعمليّة الإبداع الفني بوسائل تجريدية وفرضيات تخمينية، يكون مآلها التّعقيد والغموض أيضاً. ثمّ إن هذا المنهج سلب أهمّ حقٍّ للأعمال الأدبية والفنية، وهو الحقّ الجمالي والاجتماعي، حين حصر اهتمامه في دراسة شخصيات الفنانين على حساب الأثر الفني؛ فكانت المعالجة في النهاية معالجةً "كلينيكيّة" أو "عياديّة"؛ لأنّ الأساس الذي انطلق منه أساسٌ طبّيٌ([19]).


([1]) ينظر فرويد سيغموند، تفسير الأحلام، ص: 11. وينظر 12 Bellemin -n.j, psychanalyse et litterature, p11,


([2]) ينظر، فرويد، علم ما وراء النفس، ص: 58.


([3]) ينظر فرويد، الموجز في التّحليل النّفسيّ، ص71 وما بعدها. وينظر فرويد، مسائل في مزاولة التّحليل النّفسيّ، ص:31 وما بعدها. وينظر فرويد، الأنا والهذا، ص: 9-16و 27.


([4]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-


([5]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-78.


([6]) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسي، ص:76-77.
ينظر عباس، فيصل، الشخصية في ضوء التحليل ص72.


(*) العصاب neurose اضطرابات وظيفية غير مصحوبة باختلال جوهري في إدراك الفرد للواقع، كما هو في الأمراض الذّهانية ويُميّز التّحليل النّفسيّ بين نوعين من الأعصبة الواقعية actual - neuroses مثل: النيروستانيا وعُصاب القلق، والأعصبة النفسية psycho- neuros وأهمّها الهستيريا والعصاب الوسواسي.."(1).


([7]) فرويد، الموجز في التحليل النفسيي ص 98-99.


([8]) ينظر، فرويد، تفسير الأحلام، ص: 149-185. وينظر فرويد، الموجز في التحليل النفسي، ص:107-108.


([9]) ينظر، فرويد التحليل النفسي والفن، دافنتشي ودستويفسكي، ص:32. وينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، ص:5و6.


([10]) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص: 96 وما بعدها وينظر، محمد علي عبد المعطي، الإبداع الفنّي وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 142.


([11]) ينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص: 7-8-9.


([12]) ينظر فرويد، الهذيان والأحلام في الفن ص:9 وما بعدها. وينظر الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص:7-8-9-.


([13]) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص:91-94 وينظر، العقاد، يوميات، ج2، ص:170.


([14]) ينظر: ليبين، فاليري، التحّليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها. 


([15]) ينظر، ليبين فاليري، التّحليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها.


([16]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.


([17]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.


([18]) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.
وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.






 توقيع العضو : زائر 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معلومات العضو
زائر
Anonymous
زائر


البيانات الشخصية


معلومات الإتصال
مُساهمةموضوع: رد: نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا  Clock10الأربعاء 09 ديسمبر 2015, 09:29

افتراضي
الفصل الثاني

دراسة شخصية الشاعر


وهو المحور الذي يدرس شخصية الشاعر من شعره وسيرة حياته، متّكئاً، في الوقت نفسه، على السّياق النفسي وما يتّصل به من علم إحياءٍ، ووراثةٍ، ووظائف بيولوجية وفيزيولوجية، وجنسية..
وقد أشرنا إلى أن ملامح هذا المنحى النّفسي، بدأت تظهر في مطلع هذا القرن، حين حاول المازني تصوير شخصية ابن الرومي تصويراً نفسيّاً. وتبعه في ذلك العقاد بكتاب كامل عن الشاعر نفسه "ابن الرومي حياته من شعره" فضلاً عن دراسات طه حسين، والنّويهي..
ولم يقتصر هؤلاء الأدباء والنقاد على دراسة شخصيات غيرهم، وإنّما كتبوا عن أنفسهم ما يُشْبِه السّيرة الذّاتية. كتب المازني "إبراهيم الكاتب" و"إبراهيم الثاني"، وكتب العقاد" وأنا و"عالم السدود والقيود" و"سارة"، وكتب طه حسين "الأيام"، وكتب أحمد أمين قصّة حياتي...
ونخال هذا الجانب الوافر من أدبنا العربي الحديث بحاجةٍ إلى تغطيةٍ شاملةٍ ببحث علميّ مستقلٍّ، يتناول بالمقاومة مع السّير الغربية الذّاتية الخصائص النفسية، والاجتماعية، والفنية، والجمالية..



1-ويُعدّ "العقّاد"

أحد من تبنّوا بالدراسة النفسية شخصية الشاعر أو الأديب؛ إذ تناول ما يربو على الثلاثين شخصية من القديم والحديث، وفي مختلف الحقول المعرفيّة: شعريّة، وأدبية، وفكرية، وسياسية، واجتماعية.. فضلاً عن سيرته الذاتية.
وتقوم الدراسة البيوغرافية للشعراء والعباقرة، عند العقاد، على المقومات الآتية:
1-رسم الصورة النفسية والجسدية.
2-استنباط مفتاح الشخصية.
3-أما الدراسة نفسها، فتعتمد على منحيين اثنين أولهما: المنحى "النّفسيّ الفنّيّ" أو "السّيكوفنّيّ"، ثانيهما: المنحى "النّفسيّ الجسميّ" أو "السّيكوسوماتي".
-واعتمد العقاد في رسم الصورة النفسية على ظروف العصر والبيئة، والنشأة، والسياسة، والثقافة، وكل ما يتّصل بهذه الظروف من عوامل الاستعداد الموروث من جانب الأبوين، وعوامل الاستعداد الفطري من جانب تكوين الشخصية ذاتها، كالتكوين النفسي والخلقي والمزاجي. وينبغي أن نعرف أن هذه الظروف والعوامل لم تكن مقصودةً لذاتها بوصفها أدواتٍ معرفيّة، وإنما توسّل بها الناقد الوصول إلى ملامح الصورة النفسة.([1])
أما الصورة الجسدية، فقد اعتمد في تشكيل ملامحها على الوصف الخارجي للبنية الجسدية، وكل ما يتصل بهذه البنية من علامات مميّزة. وهذه العناية يوصف الملامح النفسية الجسدية تجسّد ما يُسمّى في علم النفس بـ "التّشخيص النفسي" psychodiagnos" القائم على دراسة الشخصية بوساطة الظواهر الخارجية([2]).
وإذا أخذنا هذه الصورة النفسية الجسدية بظروفها التاريخية والبيئية، وبعواملها الوراثية والفطرية، فإنّها تدخل في إطار ما يُسمى بـ"فلسفة التّاريخ" إلى جانب الدراسة الأدبية والفهم "السّيكوبيوغرافي" والناقد بهذا الصّنيع، لا يختلف كثيراً عن هؤلاء "الكتاب المولعين برسم صور الشخصيات كـ "سانت بيف" و"لبيتون ستراتشي" و"إميل لودفيج" وغيرهم من كتاب السّيرة.([3]).
أما المُقوّم الثاني الذي قامت عليه الدراسة البيوغرافية، فهو "مفتاح الشخصية". وأقرب مفتاح -على سبيل المثال- إلى شخصية أبي بكر الصّديق، هو "الإعجاب بالبطولة"([4]) أما مفتاح شخصية عمر بن الخطاب، فهو "طبيعة الجندي"([5]).
ويحمل هذا المفتاح، عند العقاد، أكثر من رسم فهو "محور الحياة" و"مسبار الطبيعة"، وهو تلك "الأداة الصغيرة التي تتيح لنا فكّ مغالق الشخصية والنّفاذ إلى سريرتها، دون أن تزيد على هذا، لأنها لا يمكن أن تحيط بكل صفاتها وخلائقها، ولا يمكن أن تمثّل كل خصائصها ومراياها، تماماً كما هو مفتاح البيت قد ينفذ بنا إلى حصنه المغلق وراء الأسوار والجدران، ولكنه لا يصف شكله وصفاً تامّاً، ولا يمثّل اتساعه تمثيلاً كاملا.([6])
فمفتاح الشخصية، بهذا المعنى، شبيه بمفتاح البيت، كلاهما صادقٌ قد يسهل أو يصعب إيجاده بحسب طبيعة الشخصيات والبيوت، وليست السهولة والصعوبة- ههنا في نظر العقاد - مرتبطين بالكبر والصغر، أو بالحسن والدّمامة، أو بالفضيلة والنقيضة. فقد نلج الشخصية العظيمة بمفتاح بسيط وعلى العكس من ذلك، قد يتعذّر علينا إيجاد مفتاح الشخصية الهزيلة الناقصة. تماماً كما هو البيت أيضاً، فقد يكون كبيراً حصيناً، ومع هذا، فهو غير عسير الفتح، نلجه بمفتاح صغيرٍ، في حين يصعب فتح البيت الصغير المتواضع.([7]).
وقد لا تكون هذه المقارنة ذات قيمة إذا أدركنا أن مفتاح الشخصية، على الخصوص، يحمل دلالةً سيكولوجيةً أعمق منها. فالمقصود بهذا المفتاح من مجمل دراسات العقاد البيوغرافية، تلك "السّمة الغالبة"([8]) على سلوك الشخصية وخلائقها وصفاتها وعاداتها، وهي التي تميّز الشخصية عن غيرها من الشخصيات.
ونلاحظ أن مصطلح "السّمة الغالبة" الذي استخدمه الكاتب في تعريف المفتاح هو المصطلح نفسه في علم النفس ويدعى "le trait dominant"([9]). ومن هنا، فإننا إذا عرضنا هذه السّمة على نظريات التحليل النفسي للشخصية، فإننا نرى أن مفهومها قريب -إلى حدٍّ ما- ممّا يسمى" -بنظرية السّمات theorie de traits"([10]).
-أما المقوّم الثالث والأخير الذي قامت عليه الدّراسة البيوغرافية، فيتعلق بطريقة الدراسة ذاتها أو المعالجة نفسها، وتتّكئ هذه الطريقة على منحيين اثنين: أوّلهما، "المنحى النفسي الفنّي"، اصطلحنا على تسميته المنحى "السيكوفنّي psycho- artistique"، ويسعى إلى ربط فنّ الشاعر بمزاجه وسلوكه وحياته النفسية الباطنية، لاستخلاص صورة "سيكوفنّية". وقد مسّ هذا المنحى كل الشعراء وخصوصاً "عمر وجميل" وإن كانت الغلبة للتّقويم النفسي على التقويم الفنّي.
ثانيهما، "المنحى النفسي الجسمي "أو السيكوسوماتي" "psycho - somatique" وهو في الطبّ النفسي دراسة العلاقة بين الحالات النفسية السّوية أو غير السوية أو المرضية والظواهر الجسمية أو البدنية([11]) وتكون هذه الحالات والظواهر مصحوبةً في الغالب باضطرابات في الوظائف البيولوجية والفيزيولوجية والعصبية والجنسية، وبعوامل انفعالية من ناحية الشعور أو الإحساس والإدراك وتغيّر السلوك، وترافقها أيضاً علامات جسدية، تظهر في تعابير الوجه والوضعية والحركة، وغالباً ما يخضع المريض في هذه الحالات المرضية الشديدة إلى فحصٍ سريريٍّ لتشخيص آفاته النفسية والجسمية.([12]).
فالمنحى "السيّكوسوماتي"، بهذا المعنى، يعتمد على حقائق الطب النفسي في تحليل الشخصية تحليلاً نفسيّاً وجسميّاً. ولكنه -عند العقاد- لا يتعدّى، في الغالب، وصف البنية النفسية الجسدية، وتحليل بعض اضطراباتها واختلالاتها بالاعتماد على شعر الشاعر، وعلى شيءٍ من أخباره الخاصة والعامّة.
ولهذا، فكلمة منحى، في نظرنا، أنسب من كلمة "منهج"، لأن المنهج يتطلّب متابعةً صريحةً ودقيقةً لخطواته، وإن كان يصحّ إطلاقه على دراسة العقاد النفسية لأبي نواس: ففي هذه الدراسة بدا الاسراف واضحاً في تطبيق المنحى السيكوسوماتي بحقائقه الطبية النفسية([13]). وهو المنحى نفسه الذي مسّ عدداً غير قليلٍ من شخصيات العباقرة والعظماء([14]).

([1]) ينظر على سبيل المثال:
-العقاد، جميل بُثينة، ص: 243 وما بعدها وص:263-265-295.
-العقاد، شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة، ص:172-173-176-223.
-العقاد، أبو نواس، ص:25 -27-77-128.
-العقاد، ابن الرومي حياته من شعره، ص:3و10و46و69.
-العقاد، أبو العلاء المعري، ص:311و318.
-العقاد، عبقرية الصديق، ص:168.
-العقاد، المجلّد الأول، عبقرية عمر، ص:379-390-391. وينظر، سيّد قطب، النقد الأدبي، أصوله ومناهجه، ص:99.

([2]) ينظر، عاقل، فاخر، معجم علم النفس، ص:90.

([3]) ينظر، دياب، عبد الحي، عباس العقاد ناقداً، ص: 293.
وينظر عباس، إحسان، فن السيرة، ص: 48-49-50-51.

([4]) العقاد، عبقرية الصديق، ص:227.

([5]) العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص:434.

([6]) العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص:433.

([7]) ينظر، العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص: 433-434.

([8]) ينظر، العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص: 433-434

([9]) ينظر: مرسي، مغاوري مهام، مقالة: المنهج النفسي في أدب العقاد ص:30.

([10]) ينظر، عباس، فيصل، الشخصية في ضوء التحليل النفسي، ص: 26.

([11]) ينظر، أبو النّيل، محمود السيد، الأمراض السيكوسوماتية، الأمراض الجسمية النفسية المنشأ، ص:43.

([12]) ينظر، شيغو، محمد معلا، الطب النفسي، ص:75،76.

([13]) ينظر، العقاد، أبو نواس، ص:36 وما بعدها
وينظر، حسين طه، خصام ونقد، ص: 234،237،257.

([14]) ينظر على سبيل المثال:
العقاد، عبقرية عمر، ص:390،391،392.
العقاد، العبقريات الإسلامية، عبقرية خالد بن الوليد، ص:892-893-899.






 توقيع العضو : زائر 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

نظريّة النّقد النّفسيّ .. .سيكولوجيّة الصّورة الشّعريّة في نقد العقّاد نموذجا

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» 30 نموذجا لشهادة التعليم المتوسط مرفقة بالحلول – رياضيات 2016 2017

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الدراسة في الجزائر | تعليمي عام لجميع المواد :: موقع الدراسة لطلبة الجامعة/Université :: ملتقى لطلبة الجامعة :: قسم اللغة العربية والآداب-
أقسام المنتدى

موقع الدراسة في الجزائرهو أول موقع تعليمي للدراسة في الجزائر يوفر جميع الدروس لجميع المواد و في جميع الأطوار وفق المنهاج المدرسي و بالتفصيل موقع الدراسة في الجزائر.
مسابقات الماجيستر 2016 | أخبار التوظيف | التعليم الابتدائي | مراحل التعليم المتوسط | مراحل التعليم الثانوي | بكالوريا الرياضيات 2016 | بكالوريا الفيزياء 2016 | بكالوريا العلوم 2016

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدراسة في الجزائر Eddirasa-dz.com

تبرع للمنتدى | إتصل بنا