لا أعلم إذا كانت تلك المأساة مرتبطة بالوطن العربي فقط، أم أنها تمتد إلى ثقافات أخرى على كوكب الأرض، لكن ما أعلمه أنها أسوأ ما ينتجه مجتمع ما، مأساة الولد الوحيد أو أخو البنات.
الثقافة العربية تعتبر الذكر حامل لواء العائلة الذي يستحق الرعاية الكاملة والمبالغ فيها أحياناً والتغاضي عن أخطائه ونزواته، وتبجيله وحماية ذكوريته من أي فعل يشتبه أنه أنثوي يهددها.
وإذا كان هذا الذكر وحيداً بين شقيقات؛ تسرف العائلة في تدليله إلى حد الإفساد فيصبح كائناً طفيلياً، يعتمد على الآخرين في جميع الأحوال، مغروراً كطاووس غير قابل للنصح.
رامز صديقي لا يعرف شيئاً عن المطبخ، ولا يستطيع أن يضع قطعة من الجبن في نصف رغيف يأكله، إذا مرضت زوجته يطلب طعاماً جاهزاً، وفي حالات أخرى يشتري من المخبز “سميط”، إنه حتى لا يعرف كيف يشعل نار البوتاجاز، هكذا يشكو لي.
كانت والدته لا تتركه يفعل شيئاً، وكانت شقيقاته الأربع يلبين كل طلباته حسب تعليمات ماما، قبل الزواج كان يتحرك كطاووس حقيقي يطلب فيجاب، إذا قرر الخروج من المنزل تتحول أسرته إلى خلية نحل يجهزون ملابسه الداخلية والخارجية وحذاءه، يخرج من الحمام فيجد ملابسه مكوية وحذاءه يلمع، لم يتعود أن يشكر أحداً، فما يفعلنه طبيعي ومنطقي، هكذا اعتاد فهو الولد الوحيد.
حسناً، أنا لا أتعاطف معهم وأتعامل معهم بقسوة أحياناً لعلي أصحح اعوجاجاً رأيته مرات في عدة أشخاص يظنون أنهم محور الكون.
محمد ولد وحيد لديه شقيقتان، كانت والدته تبالغ في تدليله، واعتاد عبر مراحل عمره على مستوى معين من الخدمة، كأنه يعيش في أفضل الفنادق، كان إذا أراد أن يشرب يقول “ميه” فقط بكل ما تكشف عن عجرفة وغرور وكسل في أن يرفقها بكلمات أخرى مثل: “عايز أشرب” أو “لو سمحتو ميه”، كأنه ملك يتحدث إلى جوارٍ أو خدم، وفي كل مرة كنت أتخيل أن والدته ستنهره، حتى يحسن التصرف، إلا أنني أجد زجاجة المياه حاضرة، ويبدو حتى العتاب لا يجوز في حقه.
محمد صديقي تعرض لصدمة عنيفة بعد قبول أوراق التحاقه بكلية التربية بمدينة المنصورة، وفشلت محاولات والدته في إقناعه بالتحويل إلى كلية أخرى، فاضطر أن يعيش وحده، في أول شهر خسر 12 كيلو من وزنه، واكتشف أن الملابس مثلا تمر بمراحل كثيرة وشاقة قبل أن توضع نظيفة في الدولاب، وأن الطعام يتم إعداده بداية من السوق والطبخ والحفاظ على بقايا الطعام داخل الثلاجة وتسخينه مرة أخرى، وضرورة غسيل المواعين، ليجد ما يأكل فيه، آلاف التفاصيل كان يجهلها ويظن أنها لا تناسبه كذكر وتافهة لدرجة أنها للسيدات فقط.
بعض الأصدقاء أفلت بأعجوبة من حصار التدليل المحبب للنفس، وقرر أن يعيش حياته بمفرده، مما أضاف إليه خبرات أهمها اكتشاف أن من يقدم لك خدمة، يستحق الشكر، إن لم يكن رد الجميل والتقدير المناسب.
التمييز على أساس النوع منتشر في مجتمعاتنا العربية كثقافة ورثناها ونأبى أن نصححها، ويساهم في التمييز للأسف سيدات يعانين من التمييز، ويساهمن في تشكيل شخصية تظن أن مجرد وجودها في الحياة منحة من الله لمن حوله، لا يقدر ما يقدم لهم.
اسمحوا لأولادكم بتجارب مختلفة، علموهم الاعتماد على النفس وشكر الآخرين، لأن الحياة ستصدمهم، ولن يتعامل معهم المجتمع باعتبارهم مميزين، إلا بقدر ما يقدمون ويمنحون للآخرين، اتركوهم يخوضوا تجاربهم بقدر من المتابعة دون التدخل، اشكروهم على السلوك الجيد، وامنحوهم التدليل والاهتمام في الأزمات فقط.
الرئيسية
موضوع: مأساة الولد الوحيد. الطاووس أخو البنات 
الخميس 20 أغسطس 2015, 09:46
